كتاب الجهاد (الجزء الثاني)
ما هو حكم المسلم الذي يقيم في دار المشركين؟
أنَّ الأحاديث الكثيرة تدل على وجوب الهجرة من ديار المشركين إلى ديار المسلمين، و هو مذهب جمهور العلماء. و من ترك الهجرة إذا تكون واجبة عليه، ففعل من المحرمات.
هناك أحكام في وجوب الهجرة و عدم وجوبها.
وجوب الهجرة:
إنَّ الهجرة واجبة على كل شخص الذي قادر على الهجرة إلى دار المسلمين، و هو:
الذي عاجز عن إظهار دينه بدار المشركين، و الكفر أيضا غالب فيه، و ليس يمكن له القيام بأمور الدين. فقال الله تعالى لهؤلاء الناس إذا لم يهجر إلى دار المسلمين "مأواهم جهنم وساءت مصيرا".
الذي يعيش في بلد بغاة، أو بدع مضلة.
عدم وجوب الهجرة:
إنَّ الهجرة ليست واجبة على الشخص:
الذي يعيش في دار المشركين، و يمكن له أن يقيم بجميع أحكام الإسلام بدون أي المنع و الإذى.
الذي يستطيع أن يؤدي رسالة الله تعالى على وجه حسن. إنَّ إقامته في دار المشركين يقوى على الدعوة، و هذا خير له من الحياة في دار المسلمين.
هل الهجرة انقطعت بعد فتح مكة أو لا تنقطع الهجرة؟
إنَّ الهجرة المعتبرة الفاضلة قد إنقطعت، ولكن بعد عن الوطن باقي حتى القيامة بسبب نية خالصة لله تعالى، كما لطلب العلم، الفرار بدينه من دار المشركين، أو للجهاد في سبيل الله.
الهجرة قسمان:
الأول: الهجرة من مكة إلى المدينة، و هي الهجرة التي فاز بها الصحابة، و انقطعت بفتح مكة.
الثاني: الهجرة باقية حتى القيامة من دار المشركين إلى دار المسلمين، أو من دار البدعة إلى دار السنة، لئلا يفتن عنه و يؤذى.
هل يجوز قتل النساء و الصبيان و الشيوخ إذا لم يجد المسلمون الطريق الآخر؟
إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لا يهجم على عدوِّه إلا نهارًا في غالب حروبه. لأنَّ الرجال المقاتلين ذهبوا عن النساء، والصبيان، و المسنين. لأنَّ حروبه لا تقصد الإفساد، و هدفه الإصلاح و المصلحة. و منع النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلهم في احاديث كثيرة.
إذا الخطة الحربية قد تلجئه إلى تبييت عدوه، و القتل الجماعي، الذي يصيب النساء و الذرية من غير قصد، فهو جائز إذا لا يمكن غيرها.
قتل النساء، و صبيان، و شيوخ جائز إذا تترس بهم المقاتلون منهم. و هذا هو مذهب جمهور الفقهاء الإمام أبو حنيفة، و الشافعي، و أحمد.
و قال الإمام المالك لا يجوز قتل النساء و الصبيان حتى لو تترس أهل الحرب، أو تحصنوا بهم، لم يجز قتالهم، و لا تحريقهم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم قتل النساء و الصبيان في مثل هذا الحال: "هم منهم". و يباح قتلهم لأن القتل هنا بدون قصد.
إن كان للنساء و الشيوخ يد في الحرب فيقتلون.
هل يجوز استعانة بالمشرك في القتال؟
لا يجوز الإستعانة بالمشركين في القتال. و الحكمة في هذا الأمر، أنَّ الكافر لا يقاتل عن إيمان، و لا عن عقيدة، فلا يؤمن مَكره، ولا يطمئن إلى حسن نيته.
ولكن يجوز الإستعانة بالمشركين في القتال عند الحاجة، و إذا أمنت الخيانة. و هذا ثابت بفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما أنَّه استعان بصفوان بن أمية يوم حنين، و بقبيلة خزاعة.
إختلاف الفقهاء عن استعانة بالمشرك في القتال:
جمهور الفقهاء (الحنفية، و الشافعية، و الحنابلة): يجوز إستعانة بالمشركين و الكفار عند الحاجة و إذا أمنت الخيانة.
الإمام المالك: لا يجوز إستعانة بالمشركين و الكفار.
أما شراء الأسلحة من المشركين، و تبادل الخبرات العسكرية، و الفنون الحربية جائز عند جميع الفقهاء، و هذا ثابت بفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما أنَّه إستعار أدراعا من صفوان بن أمية، و جعل فداء الأسرى يوم بدر أن يعلموا أبناء المسلمين الكتابة و القراءة.
أكتب أحكام يؤخذ من الحديث "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكَّة و على رأسه المغفر، فلمَّا نزعه، جاءه رجل، فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة! فقال: اقتلوه".
إنَّ مكة فتحت بالقوة، لا صلحا.
الاستعداد و العزم للحفاظة من الأعداء و أخذ الحيطة من الاعتداء مشروع.
دخول مكة بدون إحرام، لشخص الذي لم يقصد حجًّا أو عمرة جائز.
إباحة و حرمة القتال في مكة:
أنَّ الله تعالى اباح القتال بمكة في ساعات للنبي صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة، و بعد ذلك عادت حرمة القتال إلى يوم القيامة. و قال النبي صلى الله عليه وسلم "إنَّها لم تحل لأحد قبلي، و إنما أحلَّت لي ساعة من نهار، و إنَّها لن تحل لأحد بعدي".
إختلاف الفقهاء لإقامة الحدود في الحرم للجاني الذي فعلت الجناية في غير الحرم:
الحرم لا يحافظ جانيًا، فمن وجب عليه حد من حدود الله تعالى، سواء كان جلدًا، أو حبسًا، أو قتلًا، فأقيم عليه الحد، ولو كان في الحرم. كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم قتل ابن خطل المرتد، و هو كان متعلق بإستار الكعبة.
الحنفية و الحنابلة: من فعل الجناية ثم ذهب إلى الحرم، فيكون في عصمه، حتى يخرج منه ثم تكون عليه العقوبة.
الشافعية و المالكية: من فعل الجناية ثم ذهب إلى الحرم، فلا يكون في عصمه، و يقيم عليه العقوبة.